21 نوفمبر 2024 | 19 جمادى الأولى 1446
A+ A- A
الاوقاف الكويت

د. عبد الله العسكر: القرآن العظيم هو الملاذ الآمن من فتن وابتلاءات الدنيا

27 يناير 2019

يعيش الناس اليوم في معترك فتنٍ عظيمة، تتوالى على الأمم كقِطَع الليل المظلم، يختلط فيها المنكر بالمعروف، وتتصارع المصالح والأهواء، في ظل هكذا أحوال، لن يستقيم الأمر إلا بوجود معيار ديني وأخلاقي منضبط، مستمد من كتاب الله وسنة نبيه، يعصم المرء من الزلل، ويضمن له النجاة والسلامة.
   حول قضية ثبات المسلم في أوقات الفتن والملمات تحدث فضيلة الدكتور عبدالله العسكر، الأستاذ المشارك في جامعة سطام بن عبدالعزيز بالمملكة العربية السعودية، مؤكدا أن الفتن في الدنيا من سنن الله في الكون، لا منجى منها ولا مناص عنها، هذه القضية ينبغي أن نسلِّم بها جميعا، لا يمكن لإنسان أن يكون في معزل من الفتن حتى ولو كان على رأس جبل، لأن الفتن والابتلاءات من أقدار الله، والحكمة من ورائها هي ما جاء في سورة العنكبوت: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)}، معنى ذلك أن الفتنة هي محك اختبار، يميز الله به بين الصادق في إيمانه وبين الكاذب المدعي.
   وأبسط تعريف للفتن؛ أنها كل حدث يصرف عن أمر الله تبارك وتعالى، قد يكون هذا الحدث أو السلوك أو الأمر محرما في ذاته، وقد يكون مباحا، فحتى المباحات إذا كانت ستصرف المرء عن طاعة الله فلا خير فيها وتعتبر في حد ذاتها فتنة، على سبيل المثال: البيع والشراء والسفر والتمتع بنعم الله في الدنيا، كل ذلك حلال، لكن إذا كان سببا في أن يهمل الإنسان الصلاة على وقتها مثلا أو يقصِّر في واجباته، أصبح فتنة، وقِس على هذا أغلب الأمور في حياتنا.
    علاوة على أن الناس على اختلاف صفاتهم واتجاهاتهم، كلٌ يدعي التقوى والصلاح والخيرية، فإذا نزل البلاء، فرزهم وميّز الخبيث فيهم من الطيب، وربما كان ذلك من أهم ثمار وفوائد الفتن والابتلاءات.
  و لكن، هل معنى ذلك أن يفرح الإنسان بالفتنة ويتمنى وقوعها؟ بالطبع لا، على العكس تماما، ينبغي على المرء أن يبتعد قدر المستطاع عن مواطن الفتن، لأن مواطن الفتنة هي مَظنّة زيغ القلب، وانتكاسة الإنسان، وكم من مسلم خاض في مواطن الفتن ظنا منه أنه سينجو لا محالة، وسيضرب للناس مثالا على الثبات، وربما كان صادقا في تصوره عن قوته وصلابة معتقده، لكن شدة البلاء قد تغلبه، حين يدخل في معمعة الفتنة لا يستطيع الصبر والثبات.

   لهذا لا ينبغي أن يبالغ الإنسان في الثقة بنفسه، بل عليه أن يكون دائم التخوف من تقلبات القلب، لأن لا أحد في مأمن منها، الجميع معرض للوقوع في الفتن بشكل أو بآخر، انظر كيف كان النبي صلوات الله وسلامه عليه وهو سيد العُبَّاد وإمام المتقين يقول: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"، رغم أنه رسول الله الذي يُنزَّل عليه الوحي صباح مساء.
   إذاً، كيف نستطيع النجاة من فتن الدنيا؟
أولا: على المرء الابتعاد عن مواطن الفتن قدر المستطاع، والابتعاد أيضا عن (أهل الفتن) ، وهؤلاء ليسوا فقط هم أهل الفجور ومقترفي المعاصي الظاهرة، وإنما يدخل فيهم أيضا أصحاب المكانة والجاه، لأن التقرب منهم قد يؤدي للافتتان بهم، وهو ما ينبغي الحذر منه،  رب العزة جل وعلا يقول: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف:28}.
ثانيا: التعلق بالقرآن، فهو حصن عظيم وقت الهرج، وعصمة من الفتن، وهو الملاذ الآمن الذي يأوي إليه المؤمن في وقت الشدة، فكيف لا نحتمي بقرآننا العظيم حين يعجزنا أمر أو تطرأ لنا فتنة؟
   من أجل هذا، لا تجعل القرآن على هامش حياتك، لا تبقيه جانبا لأوقات الفراغ، اجعله جزءا رئيسيا من جدول يومك، لابد أن يصاحبنا القرآن أينما حللنا وارتحلنا، والآن ولله الحمد لدينا الأجهزة مليئة بتطبيقات المصاحف أشكال وألوان، سماعا وقراءة وتفسيرا، فإن فعلنا، فنحن في خير عظيم، وفي معية الله تبارك وتعالى وهو وحده خير حافظ من كل شر وفتنة.

القائمة البريدية

انضم للقائمة البريدية للموقع ليصلك كل جديد

جميع الحقوق محفوظه لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية - دولة الكويت